((أُعيذكما بكلمات الله التامة، من الهَامة والسامة، والعين اللامة))، فاللامة أصلها المُلمة من: ألَمَّ، فعبر بها لموافقتها ما قبلها، ومثله قوله للنساء -صلى الله عليه وسلم: ((ارجعن مأزورات غير مأجورات))، والأصل: مأزورات من الوزر، لكنه قال ذلك لمكان: ((مأجورات)). وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ المال سِكة مأبورة، أو مُهرة مأمورة))، فالسكة: الطريقة من النخل، ومأبورة أي: ملقحة، ((ومهرة مأمورة)) أي: كثيرة النسل، وكان يجب أن يقال: مؤمَّرة؛ لأنه مِن: آمرها الله، ولكنه أتبعها قوله: ((مأبورة)) كقولهم: إنه ليأتينا بالغدايا والعشايا.
كما أن من مزايا السجع في النظم الكريم: شدة ارتباط الفاصلة وتماسكها بما قبلها من الكلام، بحيث تنحدر على الأسجاع انحدارًا، وكأن ما سبقها لم يكن إلا تمهيدا لها، وبحيث لو حذفت لاختل معنى الكلام، ولو سُكِتَ عنها لاستطاع السامع أن يختمه بها؛ انسياقًا مع الطبع والذوق السليم. مثلًا: قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} (النجم: 19 - 22) تجد أن كلمة: {ضِيزَى} الواقعة في الفاصلة تتماسك مع المعنى، وتنحدر على الأسجاع، وتنساق مع السياق انسياقًا تامًّا، وهي لفظة غريبة، ولكن غرابتها من أشد الأشياء ملاءمةً لغرابة تلك القِسمة التي أنكرها النظم الكريم. وهذا هو شأن الفواصل في جميع آي الذكر الحكيم. كما تتبدى بلاغة السجع: إذا خرج عفوًا غير مستكره ولا مستجلب، بل يأتي والكلام مطابق لمقتضى الحال، ويتمثل ذلك في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة الشريفة، وحِكم وأمثال العرب، وخطب الخلفاء الراشدين، ومَن سار سيرهم.
مثلًا قول الله تعالى في سورة القمر، فكل آية آخرها حرف راء -وهناك ست آيات آخرها حرف الراء- هذه الراء بعدها ياء المتكلم، وهي: {عَذَابِي وَنُذُرِ} (القمر: 18)