من ذلك قوله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (الأنفال: 43، 44).

ويرى البعض: أن السجع من حيث طول فقره وقصرها ثلاثة أقسام: طويل، ووسط، وقصير. فالقصير: يبدأ بكلمتين وينتهي إلى أربع كلمات، والوسط: يبدأ من خمس إلى عشر، والطويل: ما فوق ذلك. ولا فائدةَ ترجَى من وراء هذا الاختلاف، بل ولا حتى من وراء هذه التقسيمات، فالأولى أن يقال: إن السجع يبدأ بكلمتين وينتهي إلى العشرين أو ما قاربها.

أما السجع من حيث تساوي فِقره وعدم تساويها، فإننا نلحظ أن السجع تتساوى فقره أحيانًا، كما في قول الله تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (الواقعة: 28 - 30) وقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (الضحى: 9، 10) وقد تطول الفقرة الثانية طولًا لا يَخرج بها عن حد الاعتدال، كقول الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} وقد تتساوى الأولى والثانية وتطول الثالثة، كقوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} (الحاقة: 30 - 32) وقد تكون الثانية أقصرَ من الأولى قصرًا يسيرًا كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} (الفيل: 1، 2). وهذه الأنواع كلها حسنة قد وردت في أساليب القرآن الكريم -كما رأينا.

ويذكر البعض: أن أحسن السجع ما تساوت قرائنه، ثم ما طالت قرينته الثانية، ثم الثالثة، ثم ما قصرت قرينته الثانية قصرًا يسيرًا، ولا وجه لهذا التفضيل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015