له معنيين، قريب واضح وهو جفون العين، وبعيد خفي وهو جفون السيف، والمعنى البعيد هو المراد". والحق أن ما في البيتين ليسَا من التورية، بل هو من باب الكناية، فإن الجفون -التي هي جفون العين- كناية عن إغماض السيوف، لا أنه أراد جفون السيف فورى.

نخلص من هذا في معرفة الفرق بين التورية وبين كل من المجاز والكناية: أن القرينة تكون في المجاز والكناية ظاهرة واضحة، بينما قرينة التورية ينبغي أن تكون خفيةً تحتاج إلى نوع من التفكير والتأمل، كما أن المعنيين في التورية لا عَلاقةَ بينهما، بينما في المجاز والكناية لا بد من علاقة بين المعنى الموضوع له اللفظ، وبين المعنى المجازي أو الكنائي. ومبنى التورية -كما ذكر ابن يعقوب المغربي- على كون المراد بعيدًا مع خفاء القرينة، فخفاء القرينة هو الحد الفاصل بين عد اللفظ من باب المجاز وعده من باب التورية، وذلك قوله: "المعنى البعيد في التورية مرجوح الاستعمال، فلا يكون اللفظ فيه إلا مجازًا، وهذا المعنى موجود في كل مجاز، فيكون كل مجاز توريةً، وظاهر كلامهم أن التورية حقيقة مباينة للمجاز، وإلا كان كل مجاز من البديع.

قلت: بعد التسليم بأن المعنى لا يكون اللفظ فيه إلا مجازًا، لا يلزم منه اتحاد المجاز والتورية، فيكون اللفظ مجازًا باعتبار إطلاقه على غير معناه مع وجود القرينة الصارفة له عن الأصل، ويكون توريةً باعتبار كون المراد بعيدًا مع خفاء القرينة؛ لما تقدم أنَّا نشترط في كونه توريةً خفاء القرينة، فتلاقَا التورية والمجاز في مادة واحدة مع كونها غيره، فإن ظهرت القرينة لم تلاقه أصلًا". انتهى كلامه. فالتورية إذًا تلتقي مع المجاز في كثير من صوره وأنواعه، على أن خفاء القرينة أو قُربها غير مسلَّم عند بعض البلاغيين، فكم من مجاز واقع موقعه من الروعة والخلابة قد خفيت قرينته؟! وكم من تورية في عُرْفهم ظهرت قرينتها؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015