يا رسولًا أعداؤه أراذل الناس ... جميعًا لكنهم في الجحيم

فقد وصفهم بأراذل الناس، ثم استدرك فأثبتَ أنهم في الجحيم.

بلاغة هذين الأسلوبين: إن بلاغة تأكيد المدح بما يشبه الذم أو الذم بما يشبه المدح يرجع إلى أمرين؛ الأمر الأول: أن كلًّا منهما بمثابة الدعوى التي أُقِيمَ عليها الدليل والبرهان، وذلك أن المتكلم يستدل على نفي الذم أو المدح في الضرب الأول من كل أسلوب، وعلى إثباتهما في الضرب الثاني، يستدل على ذلك بالتعليق على ما لا يكون وما لا يتحقق له وجود بحال من الأحوال. فعندما نقول مثلًا: لا عيب فيك سوى أنك شجاع، فإننا نستدل على نفي العيب عنك بكونك شجاعًا، والمعنى: لا عيب فيك سوى الشجاعة إن كانت الشجاعةُ عيبًا، وكون الشجاعة عيبًا محال، فثبوت العيب لك محال. وعندما نقول:

فتى كملت أخلاقه ... سوى أنه كريم

فإننا نستدل على كمال أخلاقه بكونه كريمًا، والمعنى: لقد كملت أخلاقُه إلا من شيء واحد، وهو الكرم، إن كان الكرم ينقص من كمال الأخلاق، وكون الكرم ينقص من كمال الأخلاق محال، فيثبت بهذا أنه متصف بكمال الأخلاق. وكذا يُقال في تأكيد الذم بما يشبه المدح، وما من ريبٍ في أن إثبات الشيء بالدليل والبرهان يكون آكدَ وأبلغَ من إثباته مجردًا عن الدليل.

الأمر الثاني: ما فيهما من المفاجأة والمباغتة للسامع؛ فإن المتكلم عندما ينطق بأداة الاستثناء أو الاستدراك، يتوقع السامع ويدور في خَلَده أن المستثنى أو المستدرك فيكون مغايرًا ومخالفًا للمستثنى منه، كما هو المألوف من هذا الأسلوب، وعندما يأتي المستثنى مؤكِّدًا للمستثنَى منه وعلى خلاف ما كان يتوقع السامع، تكون المفاجأة والمباغتة التي تكسب المعنى طرافةً، وتثير في النفس تنبيهًا، وبهذا يتأكد المدح في أسلوب تأكيد المدح، ويتأكد الذم في أسلوب تأكيد الذم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015