إما أن يكون حسيًّا يدل على الإحاطة والاشتمال، وإما أن يكون أمرًا عقليًّا مراد به أن يستر كل الآخر؛ بحيث يصونه من الوقوع في فضيحة الفاحشة كاللباس الساتر للعورة، مما جاء في تشبيه المفرد بالمفرد قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} (البقرة: 74). فهو تشبيه قلوب أهل الكفر وهم من اليهود بالحجارة بجامع القسوة والصلابة، وأنه لا ينفذ إليها شيء من الخير، والحق -والعياذ بالله- من هذا أيضًا تشبيه الوجه بالبدر، تشبيه الشعر بالليل، تشبيه الرجل بالأسد، وتشبيه الخد بالورد، إلى غير ذلك مما نلحظ فيه أن المشبه والمشبه به مفردان كل منهما غير مقيد.
الضرب الثاني من ضروب أقسام التشبيه باعتبار إفراد الطرفين، وتقييدهما، وتركيبهما المقيد بالمقيد كما نقول مثلًا: التعليم في الصغر كالنقش في الحجر، فالمشبه هنا هو التعليم مقيدًا بكونه في الصغر، وليس مطلق التعليم، والمشبه به النقش مقيدًا بكونه في الحجر، وليس مطلق النقش؛ فلا بد من مراعاة هذا القيد، وإلا فسد التشبيه وجه الشبه هو الثبات ودوام الأثر، فطرفا التشبيه مفردان مقيدان.
من ذلك أيضًا تشبيهنا من لا يحصل من سعيه على شيء بالقابض على الماء، فالوجه هو التسوية بين الفعل وعدمه في عدم الفائدة، وخيبة ما سعى صاحبه، وهذا لا يتحقق إلا بمراعاة القيدين إلى غير ذلك فيما جاء مثلًا في قول ابن الرومي:
إني وتزييني بمدحي معشر ... كمعلق درًا على خنزير
فالمشبه هو المتكلم مقيدًا باتصافه بتزيينه بمدحه معشرًا، والمشبه به من يعلق درًا مقيدًا بكون تعليقه على خنزير؛ فلا بد أن يتحقق هذان القيدان حتى يتمَّ وجه