ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، وتمثيل اعتقادات المنافقين واضطراباتهم وتخبطهم بالذي استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم، إلى غير ذلك مما يعمد إليه القرآن كثيرًا، والسنة؛ حتى يقرب المعنى إلى الأذهان.
الضرب الرابع من ضروب التشبيه باعتبار الحسية والعقلية، تشبيه المحسوس بالمعقول: وهذا القسم على خلاف الأصل؛ لأن الأصل في التشبيه أن يلحق بشيء يحسه الإنسان، ويكون أقوى في وجه الشبه، لكن أن يشبه محسوس بمعقول فهذا جاء على خلاف الأصل؛ لأن المشبه -كما قلنا- شأنه أن يكون أظهر وأوضح من المشبه، فأولى به أن يكون حسيًّا، ولا يكون عقليًّا إلا بعد أن ينزل منزلة المحسوس، ويدعى أنه فاق المحسوس في الوضوح والظهور، كما جاء في قولنا مثلًا، أو في تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم، كما في قول الشاعر:
وأرض كأخلاق الكرام قطعتها ... وقد كحَّل الليل السماك فأبصر
فشبه الأرض في السعة والرحابة بأخلاق الكرام، وكان الأصل أن يعكس، فإن يشبه أخلاق الكرام بالأرض، لكنه أراد أن يبالغ، وأن يبين أن الصفة صفة وجه الشبه موجودة في المشبه به أكثر من المشبه، ومن ذلك أيضًا قول الشاعر:
ولقد ذكرتك والظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق
فكل هذا هو من قبيل تشبيه المحسوس بالمعقول، من ذلك كذلك تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع كما جاء في قول الشاعر:
وكأن النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهن ابتداع
فيأتي تفصيل هذا إن شاء الله في الكلام عن وجه الشبه المتخيل، وعلى نحو ما ذكرنا أن المركبات الخيالية تدخل في التشبيهات الحسية، فنقول، ونكرر: إن المركبات الوهمية تدخل في دائرة التشبيهات العقلية، فقول الشاعر وامرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال