يتضادان، فالذي يُضاد الحسنة هو السيئة وليست السيئة هي المصيبة، ولكنها أعم منها، فالسيئات قد تكون مصائب وكوارث تصيب الإنسان في نفسه وماله وبنيه، وقد لا تكون كذلك، ولكن إذا لم تكن المصيبة مضادة للسيئة، فإن بينها وبين ما يضادها -وهو الحسنة- علاقة عموم وخصوص.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِه} (القصص: 73) وهذه الآية وإن كانت من المقابلة فلا بأسَ من النظر فيما بين السكون وابتغاء الفضل؛ لأنه مما نحن فيه، إننا نرى هنا في الآية تضادًّا ظاهرًا واضحًا بين الليل والنهار، ولكنه ذُكر بعدهما على طريق اللف والنشر: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِه}، ولا نجد بين السكون وابتغاء الفضل تضادًّا لا في الظاهر ولا في الباطن، الذي يُضاد السكون هو الحركة، ولكن إذا افتقدنا التضامن بينهما فإننا نجد علاقة سببية بين الحركة وبين ابتغاء الفضل، فابتغاء الفضل مسبب عن الحركة، والعدول عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل؛ لأن الحركة ضربان: حركة لمصلحة وحركة لمفسدة، والمراد الأولى لا الثانية.
ومن ذلك قوله تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوه} (المجادلة: 6) فالذي معنا: {أَحْصَاهُ} {وَنَسُوه}، ولا تضاد بينهما لا في اللفظ ولا في المعنى، فإنما يُضاد النسيان هو التذكر، والإحصاء لا يكون إلا عن تذكر تام، فالذي ينسى لا يحصي، إذ لا سبيل له إلى ذلك، أما الله -سبحانه وتعالى- فلا يضل ولا ينسى، ومن هنا جاءت العلاقة بين الإحصاء والتذكر أو بين الإحصاء وعدم النسيان، والأفضل أن يكون مقابل النسيان هو عدم نسيان وليس التذكر، ذلك أن التذكر عادةً لا يكون إلا بعد نسيان -ومعاذ الله أن يلحقه نسيان- فالعلاقة هنا بين الإحصاء وعدم النسيان.