تُستفاد من الألفاظ مباشرةً، فلا، ثم إن المستقبل لا يتضاد مع الحال، وإنما الذي يتضاد معه هو الماضي، فمن هنا لم يكن لهذا التأويل وجه مقبول في باب الطباق.
غير أن الخطيب القزويني حينما رفض أن يكون في الآية تضاد ذكر كلام الإمام فخر الدين بن الخطيب ورد عليه بما يصلح أن يكون ردًّا على بن أبي الإصبع وليس على الإمام فخر الدين، قال القزويني: قيل: ومنه قوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} (التحريم: 6) أي: لا يعصون الله في الحال ويفعلون ما يؤمرون في المستقبل، وفيه نظر؛ لأن العصيان يُضاد فعل المأمور به، فكيف يكون الجمع بين نفيه وفعل المأمور به تضادًّا، والذي قال: أن هناك طباقًا بين: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} هو ابن أبي الإصبع وليس ابن الخطيب.
أما السبكي فكان له رأي آخر، فهو ينظر إلى أصول الكلمات قبل النفي؛ فإن كان بينها تضاد فهي تطابق وإلا فلا، يقول: لا يعنون بالطباق أن يكون مضمون الكلام متضادًّا، بل يعنون أن يكون المذكوران بحيث لو جردَا من النفي والإثبات كانَا في أنفسهما متضادين، فالتضاد هنا بين العصيان وفعل المأمور به، ألا ترى أن المصنف وغيره جعلوا من الطباق قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُود} (الكهف: 18) هكذا يقول السبكي، وإن كان تحسبهم أيقاظًا يُفهم أنهم رقود، فيوافق قوله: {وَهُمْ رُقُود} ولا تضاد، كذلك قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاه} (الأنعام: 122)، لو أخذنا الموت والحياة باعتبار الإسناد لَما كان بينهما تضاد، فإن قوله: "كان ميتًا" يُفهم أنه حي لدلالة كان غالبًا على الانقطاع فهو يوافق أحييناه، وكذلك قوله: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 44) ليس الطباق بين عدم خشية الناس وخشية الله، فإن الذي بينهما تلازم لا تقابل، بل الطباق بين مطلق خشية الناس وخشية الله.