قد كان يُدعَى لابس الصبر حازمًا ... فأصبح يُدعى حازمًا حين يجزع
فالطباق في هذه الشواهد بين: {مَيْتًا} و"أحييناه" كما في الآية الأولى، وبين: {تُحْيِ} و {الْمَوْتَى} كما في آية البقرة، وبين يُصان ومبذول، والصبر ويجزع، كما في البيتين، فهو بين اسم وفعل كما ترى.
هذا والطباق كما يكون بألفاظ استعملت في معانيها الحقيقية، يكون كذلك بألفاظ استعملت في معانٍ مجازية، وحينئذٍ يكون الطباق في كلا المعنيين الحقيقي غير المراد والمجازي المراد، كما مر بنا في الآية الكريمة: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: ضالًّا فهديناه، فالمعنيان الحقيقيان وهما الموت والحياة متضادان، والمعنيان المجازيان وهما الضلال والهدى متضادان أيضًا، وكما في قول الشاعر أيضًا:
حلو الشمائل وهو مرٌّ باسل ... يحمي الزمار صبيحة الإرهاق
وقول الآخر:
إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب ... تحرك يقظان التراب ونائم
فالمراد بحلاوة الشمائل لين الجانب، والمراد بالمرارة الشدة، وكذا المراد بيقظان التراب متحركه، وبالنائم الساكن، فالتضاد محقق بين المعاني المجازية غير المرادة وبين المعاني المجازية المرادة.
ومنه أيضًا قول الآخر:
وقد أحيا المكارم بعد موت ... وشاد بناءها بعد انهدام
إذ المراد: لو أكثر العطاء في وقت قل فيه العطاء، فبين الإحياء والموت وبين التشييد والانهدام طباقٌ في معانيها الحقيقية والمجازية على حد سواء.
أما إذا كان الطباق بين المعاني الحقيقية فقط دون المجازية المرادة، فيُسمى إيهام التضاد كما سنذكر ذلك تفصيلًا فيما بعد.