القيامة والساعة الثانية واحدة الساعات الزمنية، فالتحسين كما ترى للفظ وإن كان له مدخل في حسن المعنى وجماله، وضابط هذا النوع أنك لو غيرت اللفظ بما يرادفه ذهب التحسين واختفى المحسِّن فلو قلت في قول الشاعر:

عضنا الدهر بنابه ... ليت ما حل بنا به

لو قلت: ليت ما أصابنا أصابه، لذهب الجناس واختفى التحسين.

وعلى ما هو معلوم فإن التسليم بهذه الأقسام منوط ومرتبط بألا يقلل بعضها من شأن بعض؛ لأن ما يكون متعلقًا باللفظ بالذات قد يظن فيه العرضية، وعلى أي حال فسوف نعرض لبعض هذه المحسنات، متوخين السهولة والوضوح، والإكثار من الشواهد؛ قصدَ الكشف والتوضيح لهذه الألوان.

لكن قبل ذلك نود أن نبين أن خلاصة ما سبق: أن منزلة البديع في مجال الدراسات الإسلامية والتعرف على أسرار القرآن ودلائل إعجازه، لا تقل شأنًا عن منزلة أخويها المعاني والبيان، بل ولا عن غيرها من سائر العلوم العربية والدينية، وأن القول بغير ذلك أو بجعلها تابعةً لأخويها أو ذيلًا لهما أو بجعل حسنهما عرضًا لا ذاتًا، كلامٌ ينقصه الدقة، ولا يتفق مع النظرة العلمية للأمور، وقد ذكرنا من الأدلة على ذلك ما به تقام الحجة.

وسؤالنا: اذكر من الأدلة ما يدل على ذلك؟ وكيف ترد على مَن قال بسواه؟

نأمل أن تجيبوا عن هذين السؤالين قبل أن نخوض في ألوان البديع؛ لأن هذه المقدمة هي من الأهمية بمكان.

الطباق، وأقسامه

ونبدأ في أول هذا الألوان وأشهرها وأعرفها، وهو الطباق؛ لنتعرف على معناه لغةً واصطلاحًا، ونتعرف على أقسامه من حيث الإيجاب والسلب، وعلى أقسامه كذلك من حيث التضاد والاتفاق بين المعاني.

الطباق: ويسمى المطابقة والتطبيق والتضاد والتكافؤ: من المحسنات المعنوية، فالطباق أو المطابقة كلاهما مصدر للفعل طابَق، يقال: طابقت بين الشيئين إذا جعلتهما على حذوٍ واحد، وألزقتهما، وطابق بين قميصين: لبس أحدهما على الآخر، وطابق الفرس في جريه: إذا وضع رجله في موضع يده، والطبق: غطاء كل شيء، والجمع أطباق، وطبق كل شيء: ما ساواه، وطبق الماء وجه الأرض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015