واردًا في المجاز، فلا يعقل البديع إلا إذا كان الكلام واقعًا في رتبة المجاز، فإذا ما كان من الكلام موضوعًا على أصل حقيقته فلا مدخلَ له فيه.

ويؤيد ما ذكرناه ويوضحه أن السعة في الكلام والافتتان فيه، إنما يكون حاصلًا بالدخول في الأنواع المجازية، فأما الحقائق فهي قليلة بالإضافة إلى المضطربات المجازية، وهو الذي أوجب انشعاب البديع إلى تلك الأصناف التي أسلفناها، فإنه لم يقع اختلافها إلا لما تعلق به من التصرف في المجاز والدخول فيه كل مدخل؛ ولهذا فإن العرب يمتازون في كلامهم عن العجم بهذه الخَصلة، ولعلنا فيما ذكرناه من أبيات شعر فيما مضى خير دليل على هذا.

مدخل البديع في الإعجاز القرآني

نجد أن فنون البديع لا تقل شيئًا في إظهار روعة القرآن وسر فصاحته وبلاغته عن مسائل علمي المعاني والبيان، وأن ألوان البديع يستدل بها على إعجاز القرآن الكريم، كما يستدل على إعجازه بمسائل التقديم والتأخير والحذف والتشبيه والاستعارة، وما إلى ذلك من مسائل العلمَين المعاني والبيان.

ولنأخذ بعض الأمثلة على ذلك؛ ليتضح لنا مدى أهمية البديع في فهم كلام الله -عز وجل- وفي الطباق مثلًا في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 26) تجد الآية قابلت بيت: {تُؤْتِي}، و {تَنْزِعُ} وبين: {تُعِزُّ}، و {تُذِلُّ}، وإذا عرفنا أن الغرض من الآية هو تصوير القدرة في أوسع معانيها وبيان السلطان في أشمل مظاهره وأكملها، فإننا ندرك أن هذا الغرض لا يتم إلا بالجمع بين الضدين والحكم بأنه يقدر سبحانه على الأمرين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015