العارف، ثم في السابع عن الهزل يراد به الجد، وقد استمده من الجاحظ، ثم بعد ذلك عن حسن التضمين.
ثم عقب ذلك بالحديث في المحسن التاسع عن التعريض والكناية، ثم بعد ذلك في العاشر عن الإفراط في الصفة، ثم تكلم بعد ذلك في المحسن الحادي عشر عن حسن التشبيه، وتلاه بالمحسن الثاني عشر وهو إعنات الشاعر نفسه في القوافي، وتكلفه من ذلك ما ليس له، وهو ما سمي فيما بعد بلزوم ما لا يلزم، ثم تحدث في المحسن الثالث عشر عن حسن الابتداءات وقد ذكره بعضهم من قبل، وحرص ابن المعتز في كل هذه المحسنات وما سبقها من فنون البديع أن يستشهد عليها من كلام القدماء والمحدثين.
وهو بذلك ينفصل عن اللغويين الذين كانوا يضيقون بالمحدثين، وفي الوقت نفسه يلتقي بذوق البلاغيين من المتكلمين أمثال الجاحظ، الذي كان يعتد بالقدماء والمحدثين معًا، والذي كان يتلوم البلاغيين لموقفهم الخاطئ من بارعي المحدثين من أمثال بشار وأبي نواس، وكان ابن المعتز معتدلًا في نظرته وحكمه على شاكلة الجاحظ وغيره من المتكلمين، فهو يسوي بين المحدثين والقدماء في الإحسان مع شيء من الاحتياط إزاءهم جميعًا، وهو احتياط جعله يعقب على شواهدهم الرائعة في فنون البديع بما يعاب من كلامهم وأشعارهم جميعًا، فهو يستحسن حين ينبغي الاستحسان، ويستهجن حين ينبغي الاستهجان، بغض النظر عن القديم والحديث؛ إذ المُعول عليه عنده هو الحسن الذاتي لا على الزمان ولا على المكان، وهذا أهم ما يميزه في الكتاب.
وأهم ما يميزه كذلك دقة ذوقه وصفائه في اختيار الأمثلة والشواهد، ويكفيه فضلًا أنه أول من صنف في البديع ورسم فنونه، وكشف عن أجناسها وحدودها بالدلالات البينة والشواهد الناطقة، بحيث أصبح إمامًا لكل من صنفوا في البديع بعده ونِبراسًا يهديهم الطريق.