في طيه تعريضًا بما هو من غير الوضوء، مما هو داخل في فضائل الأعمال كالتبكير إلى صلاة الجمعة، وعمل المسنونات من الغسل، والجلوس في الصف الأول بحيث لا يتخطى أحدًا. قال ابن حجر: ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها، وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف، وهذا من أحسن التعريضات.

ومن أرق ما حملته عبارة الأدباء الذين تملكوا زمام اللغة ما رواه أبو هلال العسكري؛ من أن عمرو بن مسعدة الكاتب سطَرَ رسالة إلى المأمون قال فيها: أما بعد، فقد استشفع بي فلان إلى أمير المؤمنين ليتطول عليه في إلحاقه بنظرائه من الخاصة. يعني: أنه لم يصل بعد إلى هذه المرتبة من القرب والوجاهة التي تمكنه من الشفاعة. يقول: فأعلمته أن أمير المؤمنين لم يجعلني في مراتب المستشفع بهم، وفي ابتدائه بذلك -يعني بفعل هذا الاستشفاع والقيام به- تعدي طاعته والسلام.

تلك كانت كلمات الرسالة، وفي ثناياها تلك العبارة الرائعة التي حملت تعريضًا بالتماس أن يكون له من القرب من سُدة الخلافة ما يجعله أهلًا للشفاعة، عندما يلجأ إليه مَن يتطلع إلى قضاء حاجته على يديه، وقد فطِن المأمون إلى ذلك التلويح، فَذَيَّل الرسالة بتلك التوقيعة التي تلبي ما حملته تصريحًا وما تضمنته تلويحًا وهي قوله: قد عرفنا تصريحك له وتعريضك بنفسك، وأجبناك إليهما ووافقناك عليهما.

ومما جاء على صورة التعريض في أشعار العرب قول العباس بن الأحنف:

كان لي قلب أعيش به ... فاكتوى بالنار فاحترقا

أنا لم أرزق محبتها ... إنما للعبد ما رزقا

فصريح الشطر الأول في البيت الأخير نفي رزق محبتها عن نفسه، وهو يومئ إلى أن غيره قد رزق تلك المحبة وكان ذلك مدرجة إلى تسلية نفسه، فقال: "إنما للعبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015