عن كرمه وجوده، انتقل في الشطر الأول من عدم إمتاع العوذ بالفصال إلى ذبحها أو ذبح فصالها أو ذبحهما معًا، ومن الذبح إلى تقديم لحمها للضيوف، وهذا يستلزم كثرة الضيوف، وكثرتهم تدل على الكرم، ومما يوحي بكثرة هؤلاء الضيوف إيثاره التعبير بلفظ الجمع: عوذ وفصال، فهو لا يذبح فصيلًا واحدًا أو عائذًا واحدًا، بل عوذًا وفصالًا عديدة، وفي الشطر الثاني انتقل من ابتياعه قريبة الأجل إلى أنه لا يبقيها حية؛ بل يذبحها لضيوفه، وهذا يستلزم بالطبع كثرة ترددهم عليه الدالة على كرمه وسخائه.

ومن ذلك قول المتنبي في مدح سيف الدولة مكنيًا عن شجاعته وكرمه:

إلى كم ترد الرسل عما أتوا له ... كأنهم فيما وهبت ملام

كنَّى عن شجاعته برده رسل العدو؛ لأنه يستلزم عدم اهتمامه بقوته، وهذا دليل الشجاعة، وكنى عن كرمه برده ملام اللائمين له في كثرة هباته وعطاياه، وهذا يستلزم حرصه على العطاء، وهو دليل الجود والكرم.

من ذلك أيضًا -وقد سبق ذكره- قول الخنساء في صخر:

طويل النجاد رفيع العماد ... كثير الرماد إذا ما شتى

كنت بطول النجاد عن شجاعته؛ لأن طول النجاد يستلزم طول القامة، وطول القامة يستلزم الشجاعة عادة، وكنت برفع العماد عن كونه سيدًا عظيم القدر رفيع المكانة في قومه، وبكثرة الرماد عن الكرم والجود، وفي إيثارها وقت الشتاء دَلالة على المبالغة في الكرم؛ لأنه وقت تشتد فيه حاجة المحتاجين.

ومن ذلك أيضًا -الكنايات البعيدة- قول الآخر في الفخر بقومه:

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدِّما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015