بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني عشر
(تابع الكناية - التعريض)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن والاه، وبعد:
الكناية البعيدة:
ونذكر من أمثلة ذلك ما جاء في قول الشاعر وهو مشهور:
وما يك في من عيب فإني ... جبان الكلب مهزول الفصيل
فهنا انتقل الشاعر من جبن الكلب إلى الكرم بوسائط عدة؛ إذ جُبن الكلب عن النباح يستلزم استمرار تأدبه، وهذا يستلزم دوام مشاهدته وجوهًا غريبة في بيت صاحبه، وذلك يدل على أن صاحبه مقصد الداني والقاصي، وهذا أيضًا بدوره يدل على اتصافه بالجود والكرم، وكذلك ينتقل من هزال الفصيل إلى الكرم بعدة وسائط، وكما قلنا: فإن الكناية البعيدة هي التي تباعد فيها المعنيان بحيث يصير الانتقال من المعنى المكني به إلى المعنى المكني عنه بوسائط أو بِعِدة وسائط، فهنا انتقل من هزال الفصيل إلى الكرم بعدة وسائط، فهزاله دليل على فقد أمه أو فقد لبنها، وهذا دليل على نحرها للضيوف أو إيثارهم بلبنها، وذلك دليل الكرم والجود.
ومن ذلك قول نصيب في مدح عبد العزيز بن مروان:
لعبد العزيز على قومه ... وغيرهم مِنن ظاهرة
فبابك أسهل أبوابهم ... ودارك مأهولة عامرة
وكلبك آنس بالزائرين ... من الأم بالابنة الزائرة
مأهولة: يعني فيها أهلها، فَأُنس الكلب بالزائرين دليل على أنه يعرفهم؛ لكثرة ترددهم على الدار وإقامتهم فيها لقضاء حوائجهم، وهذا يدل على كرم صاحبه وكثرة إحسانه، وفي جعل أبوابه أسهل أبواب القوم وداره مأهولة عامرة كنايتان أيضًا عن الكرم؛ فسهولة الأبواب تستلزم أنها مقصد الكثيرين، وعمارة الدار