وقوله: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} (الصف: 8) والدين حقائق وعقائد وسلوك، ولكنها تهدي المؤمن دائمًا في مسيرة وجوده، كما تهدي المنارات الوهاجة جوانب الطريق للسائر فيه، فإذا انصرفت النفس البشرية عن هذه الحقائق وفقدت هذا النور، توزعت واختلفت عليها الأمر، وصارت إلى ليل الشك والضلال.
فإذا ما انتقلنا إلى الضرب الثاني من ضروب المجاز اللغوي وهو المجاز المرسل، وأردنا أن نطلع على بعض خصائص وأسرار هذا الضرب من الكلام، لوجدنا أنفسنا أمام فن لا يقل تأثيرًا عن سابقه؛ ذلك أن من خصائص هذا الضرب من فنون القول الإيجاز، فأنت عندما تقول: رعينا الغيث، هذا أوجز من قولك: رعينا النبات الذي كان الغيث سببًا في نموه واخضراره، فقد طويت المسبب وذكرت في موضعه السبب، وكذلك في قول الله تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} (غافر: 13) أي: ينزل الماء الذي يتسبب في إيجاد الرزق.
الأمر الثاني من مزايا المجاز المرسل: المبالغة كما تجد ذلك في قول الله تعالى: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} (نوح: 7) فقد ذكرت الأصابع في موضع الأنامل؛ مبالغة في تعطيل أسماعهم لشدة عتوهم ونفورهم وإعراضهم عن الحق.
الأمر الثالث: أن المجاز المرسل يفسح مجال التعبير أمام الأديب أو المتكلم، فعن طريق المجاز يستطيع أن يتخير الألفاظ الملائمة للقافية أو الفاصلة، وأن يتجنب الألفاظ التي تخل بفصاحة الكلام فيترك الحقائق ويستعمل المجازات حتى يسلم تعبيره مما يخل بفصاحته، ومما يصوب من قوافي شعره.