إطلاق المشفر على شفة الإنسان وهي في الأصل للبعير، وإطلاق الخرطوم على أنفه وهو في الأصل للفيل كما في قوله تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} (القلم: 16) حيث أطلق الخرطوم على أنف الوليد بن المغيرة وهو في الأصل للفيل.

فالمجاز على ما أفاده كل من السكاكي وعبد القاهر هنا خالٍ من الفائدة؛ لأنه لا يخرج من استعمال اللفظ في أعم مما وضع له، أو عن استعمال المقيد في مقيد آخر، هذا ما ارتآه كل من السكاكي وعبد القاهر، لكن يمكن أن يصبح مفيدًا لو أفاد معنًى، كأن يفيد الذم مثلًا أو الهجاء، فإنه عند ذلك يصير مفيدًا، ويخرج من دائرة المجاز المرسل إلى دائرة الاستعارة المفيدة، إذ تصبح علاقة المجاز حينئذ المشابهة.

من ذلك قول الفرزدق في الهجاء:

فلو كنت ضِبيًّا عرفت قرابتي ... ولكن زنجي غليظ المشافر

يريد: ولكنك، لكنه حذف الكاف للضرورة الشعرية، "ولكن زنجي غليظ المشافر"، شبه شفتيه بشفتي البعير في الغلظ ثم استعمل لفظ المشبه به في المشبه على طريق الاستعارة، وهو يرمي بذلك إلى ذمه وتقبيح صورته.

إلى غير ذلك مما لا يدخل معنا في باب المجاز المرسل.

بهذا نكون قد وقفنا على هذا الضرب من فنون القول، وعرفنا أن علاقات المجاز المرسل على تنوعها وتعددها هي لغير المشابهة، وأن هذا هو الذي يفرق بينها وبين الاستعارة التي علاقتها المشابهة.

خصائص وأسرار الاستعارة

وحان لنا أن نشير إلى بعض خصائص المجاز اللغوي بنوعيه الاستعارة والمجاز المرسل، وأن نطلع على نماذج توضح توضح قيمة كل منهما وأهميته وأثره الذي يحدثه في نفس المخاطب أو المتلقي:

ونبدأ بذكر بعض خصائص الاستعارة ومزاياها فنقول:

إن من أهم خصائص الاستعارة تجسيد المعاني، وتشخيص المجردات، وخلع الحياة على من لا حياة فيه، فتصبح المعنويات والأمور المجردة شاخصة أمام الأعين، ويصير فاقد الحياة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015