ويرى الخطيب: "أن المكني هي التشبيه المضمر في النفس المدلول عليه بإثبات لازم المشبه به للمشبه، من غير أن يكون للمشبه أمر ثابت حسًّا أو عقلًا، استعير له لازم المشبه به، وأطلق عليه"، ويقال مثلًا في البيت المذكور شبه الشاعر في نفسه المنية بالسبع، ثم تناسى التشبيه، وادعي أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، ثم أثبت لازم المشبه به وهو الأظفار للمشبه، وليس للمشبه -وهو المنية- شيء محقق حسًّا أو عقلًا، استعير له لفظ الأظفار.
يلاحظون أن الخطيب أطلق الاستعارة المكنية على التشبيه المضمر في النفس، وهو فعل من أفعال المتكلم، وقد عرفنا أن الاستعارة لفظ استعمل في غير ما وُضع له؛ لعلاقة المشابهة، والألفاظ خلاف الأفعال، فلا وجه لتسمية التشبيه المضمر في النفس استعارة، وهذا هو الفرق بينه وبين ما ذهب إليه جمهور البلاغيين.
وواضح أن الخطيب يوافق الجمهور في سبب تسمية هذه الاستعارة بالمكنية، وهو عدم التصريح بالمشبه به، والدلالة عليه بلازمه، ويوافقهم أيضًا في تحديد مفهوم الاستعارة التخييلية، وهي إثبات لازم المشبه به للمشبه، وليس للمشبه شيء محقق حسًّا أو عقلًا استعير له هذا اللازم؛ ولذا كانت هذه الاستعارة تخييلية، وهي قرينة الاستعارة المكنية، فهما متلازمان.
أما مخالفته لهم فهي في تحديد مفهوم الاستعارة المكنية، إذ هي عنده فعل من أفعال المتكلم، فلا وجه لتسميتها استعارة، وعند الجمهور هي من قبيل الاستعارة التحقيقية؛ لأن لفظ المشبه به يُستعار لشيء محقق هو المشبه، كاستعارة السبع للمنية في البيت المذكور.
وهناك رأي آخر، أو ثالث للسكاكي: فهو يرى أن الاستعارة المكنية لفظ المشبه المستعمل في المشبه به؛ بادِّعاء أن المشبه -وهو المنية- هو عين المشبه به أي: من جنسه، فيقال