عليه أن يحضر في ذهنه، ويحدد الصفة التي استرعت انتباهه في المشبه، ثم يغض النظر عما عداها من صفات، ويطلب نظيرًا لهذه الصفة التي استرعت انتباهه في شيء آخر يكون مشبهًا به، ويجب أن تكون هذه الصفة بارزة في المشبه به، ويتحتم على المتكلم أن يغض النظر عما في المشبه به من صفات أخرى غير هذه الصفة، وعما بين الطرفين من تباين أو تباعد.
فمثلًا إذا استرعى انتباه المتكلم شجاعة رجل، فطلب لها نظيرًا في الأسد مثلًا؛ وجب عليه أن يصرف نظره عما في الرجل والأسد من صفات أخرى غير الشجاعة، وأن يغض بصره عما بينهما من تباين في الجنس.
وإذا لفت نظره هيئة المصلوب، فوجد نظيرًا لها في قائم من نعاس يتمطى؛ أعرض عما بينهما من اختلاف الحياة والموت؛ ولذا كان لزامًا على الناقد أن يقف على وجه نظر الأديب، وأن يتحقق من غرضه، فلا يقول مثلًا: كيف يشبه الرجل الشريف الإنسان بحيوان مفترس، وكيف يشبه السفينة الضخمة بحيوان صغير الحجم، وكيف يشبه المصلوب بقائم يتمطى من نعاس، والحياة ما تزال تدبُّ في جسم المتمطي.
كذلك نقول مثل هذا في القرآن الكريم، فلا ينبغي أن نغض الطرف عن جزء في المشبه أو المشبه به، دون أن يراعى في تحقيق وجه الشبه.
هذا وقد لاحظ البلاغيون أنه حتى مع حذف وجه الشبه، فإنه يُستعلم على دقة التشبيه وخفائه بما يدل على وجه الشبه، وذلك إما بوصف مشبه به بصفة يُفهم منها هذا الوجه المحذوف، كقول كعب الأشقري مثلًا في وصف بني المهلب للحجاج لما سأله عنهم، فقال: هم كالحلقة المفرغة لا يُدرى أين طرفاها.
فقد وصف المشبه به، وهو الحلقة المفرغة بأنها ليست معلومة الأطراف، وهذا الوصف أومأ إلى وجه الشبه، ودلَّ على أنه التناسب الكلي الخالي من التفاوت،