ولا يعني ذلك النهي عن البكاء عند الحزن مطلقا؛ بل البكاء الذي لا يملك له المرء دفعا يدخل في المباح الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأقره وسيأتي تفصيل ذلك في الباب التالي إن شاء الله.
لما كانت المشاعر دليلا على الصدق في الغالب استغل ذلك من لا حجة له ولا برهان ليأخذ حقا ليس له أو يدفع عن نفسه تهمة ذنب اقترفه فيتظاهر بالبكاء ليخدع الناس وليشعر بأنه مظلوم، كما فعل أخوة يوسف حينما بلغت بهم الغيرة درجة الانتقام من أخيهم، فألقوه في البئر وجاءوا أباهم يبكون كما قص القرآن علينا نبأهم وأخبرنا الله تعالى بشأنهم في قوله: (وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) (?)
قال القرطبي: " قال علماؤنا هذه الآية دليل على أن بكاء المرء لا يدل على صدق مقاله لاحتمال أن يكون تصنعا فمن الخلق من يقدر على ذلك ومنهم من لا يقدر وقد قيل إن الدمع المصنوع لا يخفى كما قال حكيم إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى" (?)
وهو ما لا مدح فيه ولا ذم، أو ما فعله أو أقره أو سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في القرآن وجاءت به الأحاديث الصحيحة. ومن