قال ابن عبد البر: " ومن حمل ذلك على الحقيقة قال جائز أن ينطقها الله كما تنطق الأيدي والجلود والأرجل يوم القيامة وهو الظاهر من قول الله عز وجل: ((يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ)) (?) ومن قوله: ((وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)) الآية و ((قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)) (?) وقال: قوله عز وجل ((تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ)) (?) أي تتقطع عليهم غيظا كما تقول فلان يتقد عليك غيظا وقال عز وجل ((إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)) (?) فأضاف إليها الرؤية والتغيظ إضافة حقيقية وكذلك كل ما في القرآن من مثل ذلك واحتجوا بقول الله عز وجل: ((يَقُصُّ الحَقَّ)) (?) ومن هذا الباب عندهم قوله: ((فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)) (?) " (?)
من خلال دراسة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب الستة والبحث عن هذا السلوك " البكاء" تبين أنه ليس له حكم ثابت، بل حكمه باعتبار موجبه، فإن كان موجبه مذموما كان محرما أو مكروها كالنياحة على الميت فإن موجبها السخط من قدر الله تعالى، وإن كان الموجب ممدوحا كان البكاء مستحبا، فهو لا يعدو أن يكون أثرا، ولما كان هذا السلوك فطريا في الإنسان لم ينه عنه عند اندفاعه وغلبته كأثر للألم الحسي أو المعنوي لأن فيه شيء من التنفيس عن الإنسان.