بالمقرعة، وقطع عليه البول. فقال الأعرابيّ: إنّها إحدى الغوائل، قطع الله منك الوتين «1» .
قال إبراهيم بن داحة: كان في طريق الموصل سكّة بريد، وبقرب السكّة مسجد ومستراح للمسافر، وفي تلك السكّة بغل لا يرام ولا يمانع، وكان إذا انفلت من قيده وسلسلته، وقد عاين برذونا أو بغلا أو فرسا، اغتصبه نفسه، واقتسره اقتسارا، فلا ينزع عنه حتى يكومه، وربما قتله، لعظم جردانه، وإن كان عليه راكبه صرعه، وربما قتله، حتى جاء شيخ أعرابيّ على فرس له أعرابيّ أعجف بادي الحراقيف، حتى نزل عن فرسه على دكّان ذلك المسجد، وعلّق المخلاة في رأسه، وحلّ حزامه، وترك عليه سرجه، وأخذ مخلاته، وجاء البغل قد أدلى، يريد أن يركب فرس الأعرابيّ، فجمع رجليه، فواتر على جبهة البغل، وعلى حجاج عينيه، فرمحه خمس رمحات أو ستّا متواليات، كلّها يقع حافرا رجليه معا، فنكص البغل شيئا يسيرا، ثم عاوده، فنثر على وجهه وحجاج عينيه مثل ذلك العدد، في أسرع من اللّحظ، وفرس الأعرابيّ في ذلك كلّه واقف لا يتحلحل، والأعرابيّ قد ضحك حتى استلقى، فولّى البغل يريد السكّة، فشدّ عليه فرس الأعرابيّ من بين يديه، فلحقه الفرس فعضّضه، وكامه الفرس، ورجع الفرس إلى موضعه، ودخل البغلّ السكّة، فكبّروا عليه، ونثروا عليه الرّوث اليابس، وشمت به جميع السّاسة، وافترّوا عليه، فترك البغل ذلك الخلق. وقال الأعرابيّ وكأنه يخاطب البغل:
ظننت فريس الشّيخ يا بغل نهزة ... فجئت مدلّا كالهزبر «2» تطاوله