نبدأ إن شاء الله، بما وصف الأشراف من شأن البغلة، في حسن سيرتها، وتمام خلقها، والأمور الدالّة على السرّ الذي في جوهرها، وعلى وجوه الإرتفاق بها، وعلى تصرّفها في منافعها، وعلى خفّة مئونتها في التنقّل في أمكنتها وأزمنتها، ولم كلف الأشراف بارتباطها، مع كثرة ما يزعمون من عيوبها ولم آثروها على ما هو أدوم طهارة خلق منها وكيف ظهر فضلها مع النقص الذي هو فيها؟ وكيف اغتفروا مكروه ما فيها، لما وجدوا من خصال المحبوب فيها؟ حتى صار الرجل منهم ينشد العذّال «1» فيها كقول السّعديّ:
أخ لي كأيّام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألوانا علىّ خطوبها
إذا عبت منه خصلة فهجرته ... دعتني إليه خصلة لا أعيبها
ولقد كلف بارتباطها الأشراف. حتى لقّب بعضهم من أجل اشتهاره بها ب «روّاض البغال» ، ولقّبوا آخر: ب «عاشق البغل» ؛ هذا مع طيب مغارسهم، وكرم نصابهم، ولذلك قال الشاعر: