أصحابه أنه لا يفرّ، حتى يفتح الله عليه أو يقتل، ركب بغلا. ولذلك قال الشاعر:
إذا ركب الأسوار بغلا وبغلة ... لدى الحرب والهيجاء قد شبّ نارها «1»
فذاك دليل لا يخيل، وعزمة ... على الصّبر حتّى يستبان بشارها «2»
وذو الصّبر أولاهم بكلّ سلامة ... وبالصّبر يبدو عقبها وعيارها «3»
ذهب إلى قول أبي بكر، رضي الله عنه، لخالد بن الوليد:
«احرص على الموت توهب لك الحياة» .
يقول: إذا صبرتم ولم تفرّوا، هزمتم العدوّ، فصار صبركم سببا لحياتكم.
وحدّثني نهيك بن أحمد بن نهيك، كاتب عبد الله بن طاهر، قال: اقتتل أصحاب الأمير عبد الله بن طاهر، وأصحاب نصر بن شبث يوما على باب كيسوم «4» ، ونصر في آخر القوم جالس على مصلّى، محتب بحمائل سيفه، وبين يديه بغل مسرج مجلل، والله ما أدري أكان الجّل تحت الّلبد، أم كان فوق السّرج، وشدّ عزيز على أصحاب نصر شدّة كشفتهم، حتى جاوزوا مكان نصر، وصار عزيز بحذاء نصر، ونصر جالس؛ فلما رأى ذلك وثب وثبة فإذا هو على ظهر البغل، وقال: مكانك يا عزيز! أتبلغ إلى موضعي، وتطأ حريمي؟! ثم شدّ نحوه على بغله، وعزيز على برذون، فعزف- والله- عزيز عنه، وعزيز يومئذ فارس العسكر غير مدافع.