جُمْلَتِهِما شَيءٌ أَخْبروا أَنَّهُ لَيْس بِمُنْقَضٍ، فَيَضْرِبُ لَهُم مَثَلَ الجَنَّةِ والنَّارِ بِهِ، فَهَذَا القَدْرُ هو المُرَادُ، لَا أَنَّ بَقَاءَ أَهْلِ الجَنَّةِ في الجَنَّةِ، وأَهْلِ النَّارِ في النَّارِ، كَائِنٌ إلى وَقْتٍ ثُمَّ يَنْقَضِي، لَكِنَّهُ دَائِمٌ بَاقٍ، ولا انْقِضَاءَ لَهُ، والله أعلم.
والوَجْهُ الآَخَر، أَنَّ المَعْنَى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107] مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّه قَال في أَهْلِ الجَنَّةِ: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود]، أَي غَيْر مُقْطُوعٍ، فَلَو كَانَ المَعْنَى أَنَّهُم يُقِيمُونَ قَدْرَ مَا دَامَت
السَّمَواتُ والأَرْضُ ثُم يَخْرُجُونَ، كَانَ العَطَاءُ مَجْذُوذًا، فَلَمَّا أَخْبَر أَنَّه غَيْرُ مَجْذُوذٍ؛ عَلِمْنَا أَنَّ مَعْنَى الاسْتِثْنَاء مَا ذَكَرْنَا والله أعلم.
ومَنْ قَالَ هَذا، قال: إِلَّا بِمَعْنَى سِوَى، وذَلِكَ يَحْسُنُ إِذَا كَانَ المُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِن المُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَرُجُلٍ يَقُول: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْف دِرْهَم إِلَّا الأَلْفَيْن التِي هِي إِلى سَنَة، فَيَكُونُ المَعْنَى سِوَى الأَلْفَيْن، وعَلَى هَذَا يَكُون قُولُه -تبارك وتَعَالى- في أهل النار: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود] بِمَعْنَى: إِنَّهم خَالِدُونَ فِي النَّارِ مَا دَامَت السَّمَواتُ والأَرْضُ سِوَى مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ، فَلا يَتَعَاظَمَكُم ذَلِك من أَمْرِهِ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وأَنْتُم تُسْأَلُونَ.
قال: ويُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ ذِكرُ مُدَّةِ السَّمَواتِ والأَرْضِ في هَذَا الوَجْهِ إِشَارَةً إِلى أَنَّ الآخِرَةَ لا تَتَقَدَّر بِمِقْدَارِ الدُّنيا، لَكِنَّهُم إِنِ اسْتَوْفُوا فِي الجَنَّةِ والنَّارِ مُدَّةَ العَالَم المُنْقَضِي، فَلا الجَزَاء الذِي لَقَوْهُ بِمُنْقَضٍ، ولا المَآبُ الذِي أُعِدَّ لَهُم بِمُنْقَضٍ، ولَكِن هَذَا كُلَّهُ دَائِمٌ، والله أعلم» (?).
(1186) أخبرنا أبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى، حدثنا أبو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ