محاسن تهليك عن السماء إذا ازدانت بمصابيحها، وعن الأرض إذا اقتانت بقيصومها وشيحها، فإنها مواريث عقل ممدود الشعاع على الأولين والآخرين، والعقل به يصح الصحيح ويسقم السقيم، وبمفارقته يهلك الهالك ويجور السائر، فإن كان قد امتزج بهذه المحاسن ما خالف منوال العقل، ونسيج الحق، فذاك لتتبين به حسن الحسن، وقد قيل: والشيء يظهر حسنه الضد؛ وهذا كله، وإن كان منظوماً في سلك واحد، فإن العاقل يميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والهزيل من الجد، ويتحلى بالأحسن، ويتخلى من الأقبح، ولو لم يكن جمهوره معروضاً عليه، ولا جمعه مسوقاً إليه، لخيف أن يكل مع أحد الضربين، ويثقل مع أحد الحزبين، فقد لوطف هذا الإنسان وهو لا يدري، وقد يرضى المرء وهو كاره، ويصنع للإنسان وهو عائب، وهل لرضى أنشأه التجني مدى يبلغ، أو غاية تدرك، أو آخر يعلم؟ دع - أيدك الله - هذا كله، فلو هديت لرشدي ما أطعت الهوى وخضت في هذه الخطبة التي لا عائدة لها ولا فائدة فيها، وخذ فيما أخصك به مرشداً، وألقيه إليك ناصحاً، وأباثك به متعللاً: اعلم أنا في دهر الإحسان فيه من الإنسان زلة، والجميل غريب، والخير بدعة، والشفقة ملق، والدعاء حيلة، والثناء خداع، والأدب مسألة، والعلم شبكة، والدين تلبيس، والإخلاص رياء، والحكمة سفه، والقول هذر، والإطراق ترقب، والسكوت نفاق، والبذل مكافأة، والمنع حزم، والإنفاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015