المتقين، فرفع طرفه إليه وعينه تقطر فقال: أنت هو يا حسن الوجه؟ ثم وعظه فجعل يبكي حتى اشتد نشيجه، ثم قال له: ازدد من هذا، فما أعرف في هذه الليلة أحداً أحوج إليه منك، ثم وثب إلى صلاته، وما كان ذاك إلا كخطفة الطير. فلما صرنا إلى صحن الدار قال لي الرشيد: يا سفيان، ما رأيت التقوى في وجه أحد قط أبين منها في وجه هذا الشيخ، ولولا التحشم منك لقبلت ما بين عينيه، فقلت له: والله لعلى ودي أن تكون فعلت ذلك، فكتب الله لك ثوابه وأجره، فقال: إني أرجو أن يكون قد كتب لي ثوابه بالنية ولو لم أفعل.

انظر - فديتك - إلى هذا الحديث، وانظر إلى زمانك وإمامك وسلطانك، فإنك ترى فرقاً يوحش القلب، ويورث الأسف، ولله أمر هو بالغه لا نعترض عليه، ولا ننازع فيه، ولكن ناجأ إلى كنفه، ونسأله زيادة من عطفه، فإنه رحيم بعباده ودود.

قال أصحاب النجوم: إنما جعل أول بيت الطالع، لأنه خروج من ظلمة إلى ضياء، وجعل الطالع للحياة لأن المولود لما خرج بين حالتين - بين الموت والحياة - فإن أوجب الطالع الحياة فذاك، وإن أوجب الموت فذاك؛ والثاني للمواد، فإن الحياة إنما تكون بالمواد، فجعل المال؛ والثالث للإخوة، لأنه أول شكل برج يشاكل بالطالع، إن كان الطالع ذكراً فهو ذكر، وإن كان أنثى فهو أنثى، أو نهارياً أو ليلياً فهو مثله، وأول خط خرج من الطالع إليه ما لاح أقرب الأشياء إليه؛ والرابع الآباء، لأنه ابتداء الدور، منه يبتدىء وإليه يرجع، فالمولود الآباء أوله، والخامس الولد، لأنه مالىء بيت الآباء، والولد خلف الأب؛ والسادس بيت العبيد والمرضى والسقاط، لسقوطه عن الطالع ولأنه لا تمازج بين الطالع وبينه؛ والسابع الأضداد والنساء، لأنه بإزاء الطالع، إذا ظهر هذا غاب هذا، وإذا غاب هذا ظهر هذا؛ والثامن ينظر الثاني، فحالته بالضد، فلما كان الثاني سبب المواد، والمواد سبب الحياة، كان الثامن انقطاع المواد، وبانقطاع المواد يقع الموت؛ والتاسع السفر والدأب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015