النتيجة كالسّبيكة المفزغة من جميع الأصناف التي تخرجها المعادن، وكما اغترف من وادٍ قد مدّته سيولٌ جارية كثيرة من شعاب مختلفة، وكطبيب يركب على أخلاط من الطّيب كثير، فيستغرب عيانه، ويغمض مستنبطه؛ ويذهب في ذلك إلى ما يحكى عن خالد بن عبد الله القسري فإنّه قال: قد حفّطني أبي ألف خطبةٍ ثم قال لي: تناسها، فتناسيتها، فلم أرد بعد ذلك شيئاً من الكلام إّلا سهل عليّ؛ فكان حفظه لتلك الخطب رياضةً لفهمه، وتهذيباً لطبعه، وتلقيحاً لذهنه، ومادة لفصاحته، وسبباً لبلاغته ولسنه ولخطابته.
واعلم أنّ شعراء العرب أودعت أشعارها من الأصناف والتشبيهات والحكم ما أحاطت به معرفتها، وأدركه عيانها، ومرّت به تجاربها، وهم أهل وبر، صحونهم البوادي، وسقوفهم السماء، فليس تعدو أوصافهم ما رأوه فيهما وفي كل واحدة منهما، في فصول الأزمان على اختلافها: من شتاءٍ