كان ممّن فوقك كان حزناً، وإذا كان ممّن هو دونك كان غضباً، فترك الصبر على الغضب سوء قدرة، وترك الصبر على الحزن سوء استكانة.
حمل رزام بن حبيب إلى طحّان طعاماً فقال له: اطحنه؛ قال: أنا مشغولٌ عنك، قال: إن طحنته وإّلا دعوت الله عزّ وجلّ على حمارك ورحاك، قال: أومستجاب الدعوة أنت؟ قال: نعم، قال: فادع الله أن يصيّر حنطتك دقيقاً فهو أروح لك.
قال الأصمعي: كان بالبصرة فتىً يغشاه الفتيان في كوخٍ له من قصب، وكانوا إذا شربوا قال بعضهم لبعضٍ: غداً عليّ ألف آجرّةٍ، ويقول آخر: عليّ الجصّ، ويقول آخر: عليّ أجرة البنّاء. فيصير كوخه قصراً من ساعته، ثم يصبح فلا يرى شيئاً من ذلك، فقال في ذلك:
لنا كوخٌ يهدّم كلّ يومٍ ... ويبنى ثم يصبح جذم خصّ
إذا ما دارت الأقداح قالوا ... غداً نبني بآجرٍّ وجصّ
وكيف يشيّد البنيان قومٌ ... يزجّون الشتاء بغير قمص
قال الأصمعي: فحدّثت الرشيد، فاستضحك وقال: أبا سعيدٍ، لكنّا نبني