كان أبو عبد الله هذا كثير النّوادر، فصيح اللسان، وكان رئيساً في الباطنية، وكان جريء المقدم، متّقى اللسان، وكان ابن العميد يحبّه ويقدّمه، وله إليه رسالةٌ مشهورةٌ تتضمّن عتباً ممضّاً، وأجابه أبو عبد الله عنها فما عجز عن موازنته. على أنّ الكتابة لم تكن ديدنه، ولكنّه كان عجيب الكلام في كلّ فنّ، وكان معتمده على الإبهام دون الإفهام، وسأحكي عنه ألفاظاً علقتها منه في إشارات الصوفية إن شاء الله. وسمعته يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت في دعوى حالٍ، وتمهيد أمرٍ، واصطلاح طريقة، لما تجاوزت ادّعاء النبّوة، ولكنّي مزّقت ثوب الشّباب، وودّعت راحلة الأمل؛ قيل له: فأنت مع نظرك في الحكمة، واقتباسك من الفلسفة، وتميزك إلى الخاصة، تتمنى حالاً صاحبها عند نفسه كاذبٌ وعند بني جنسه مكذوب، مع علمك أنّ دين الإسلام لا يتداعى بنيانه، ولا تتزعزع أركانه، وأنه مبني على أساسٍ قويّ، وأصلٍ سويّ، فقال: هذا كلام من لم يعرف النبوّة ما هي والنبيّ من هو، وما السبب في ظهور الأديان والنحل، وإفشاء المقالات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015