موافقتك النهي ومجانبتك الأمر، وقبيحٌ بك أن تركب ما تركب جاهلاً بالحجّة، حتى إذا تمّ ركوبك، وتقضّى عليه زمانك، وعلاك النّدم، ولزمك التعقّب، أحلت أمرك على علمه فيك وإرادته بك، هلاّ وقفت عن قبول أمره وسماع نهيه حين أمر، ونهى وزجر، ودعا وبيّن، وهلاّ قلت: إلهي، لم تزح علتي بما أعرتني من القوة، وخلقت فيّ من الطاقة، وأسلفتني من التّمكين، وعرّفتني من الأخبار، فأنا صائرٌ مع هذا كلّه إلى ما أنت عالمٌ به؛ ومتى فعلت هذا وقلته، علم العقلاء أنّك متجنٍّ، لا تحبّ صلاحاً، ولا تتقي فلاحاً، وأنك مقترحٌ اقتراحاً، إن صحّ لك سقط عنك لسان الأمر والنّهي، وزال باب المدح والذم، واستغني عن الثواب والعقاب، وكنت جماداً لا تخاطب ولا تعاتب، وعريت من جلباب معرفة الله عزّ وجلّ، وجهلت نعم الله عندك، وعميت عن حكم الله تعالى فيك، ومن بلغ هذا المكان أسقط عن مكلّمه مؤونة البيان، وعن نفسه كلفة التبيين، وكان في عداد الجاهلين بالله، السّاخطين لنعم الله، المتعّرضين لعقاب الله تعالى. فافتح - حفظك الله - بصرك، وانتصف من هواك، وفارق إلفك، وتنزّه عن تقليدك، وحص عن المعرفة، لائذاً بالله تعالى، مستعيناً به، فهو وليّ خلقه، ناصر اللاجئين إليه.
واعلم أن الله خلقك، ورزقك وكمّلك، وميّزك وفضّلك، وأضاء قلبك بالمعرفة، وفجّر فيك ينبوع العقل، ونفى عنك العجز، وعرض عليك العزّ، وبيّن لك الفوز، بعد أن وعدك وأوعدك، وبعد أن وعظك وأيقظك، وبعدما حطّ عنك ما أعجزك عنه، وأمرك بدون ما أقدرك عليه؛ وإنما حاشك بهذا كلّه إلى حظك ونجاتك، وعرّضك به لسعادتك وخلاصك. أفتجسر من بعد هذه النعمة المتوالية، وهذه الآلاء المتتالية، أن تتوهّم أنه اقتطعك عن مصلحتك أو بخل عليك برأفتك؟ إنّ هذا لا يظنّ بوالدك الذي نسبته إليك عارية، وإضافتك