وقيل لآخر: أتجر فلسطين؟ قال: إني إذن لقوي.
وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: الهرة تهمزها.
فكلاهما عرف موضع الهمز، إلا أنه لم يعلم الموضع الذي وضعه النحويون.
ولم يؤت المبطلون للعلل في غلطهم على العرب إلا من جهة الألقاب، لأنهم رأوا التحويين يقولون: رفعت العرب كذا بكذا، ورأوا العرب لا تعرف الرفع ولا النصب ولا الجر، فقضوا عليهم بالكذب وعلى عللهم بالبطلان، ولو أنعموا النظر لميزوا بين المعنيين، ومثل هذا كمن يحيل على العرب بالاستدلال من غير سماع منها لاشتقاق في الجوارح أنها اليدان والرجلان، لأن الاجتراح الاكتساب، وهي الكواسب، وكذلك الجراح في البدن هي الجنايات؛ وتقول في جلده الحد إنه إصابة الجلد بالضرب، لما سمعنا العرب تقول: رأسه وبطنه، قلنا كذا جلده، أي أصاب جلده.
قال بعض السلف: إذا عشت عيش السفهاء ومت موت الجهال، فماذا ينفعني ما جمعت من غرائب العلم؟ مدح أعرابي قوماً فقال: أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغرهم السلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التسويف الذي قطع به الناس مسافة آجالهم، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال.