الملك فخطب وقال: والله ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في المال، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم لها إن لم يرحمني الله، ولكني خرجت غضباً لله ولدينه، وداعياً إلى كتاب الله جل وعز وسنة نبيه صلى الله عليه، إذ انهدمت معالم الهدى، وطفئ نور التقوى، وظهر الجبار العنيد مستحلاً كل حرمة وراكباً كل بدعة، لا يصدق بالكتاب، ولا يؤمن بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفيي في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله عز وجل في أمره، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك بقوة الله وحوله، لا بقوتي وحولي. أيها الناس: إن لكم علي ألا أضع حجراً على حجر، ولا أستأثر بذهر، ولا أنقل مالاً من بلد إلى بلد، حتى أسد ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل شيء نقلته إلى البلد الذي يليه لأهل الحاجة إليه، ولا أجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل عل أهل جزيتكم ما يجليهم ويقطع نسلهم، وإن لكم عندي أعطياتكم في كل سنة، وأرزاقكم في كل شهر، حتى تستدر المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن وفيت لكم بذلك فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة، وإن أنا لم أف لكم فلكم أن تخلعوني، إلا أن تستتيبوني فأتوب، فإن علمتم أن أحداً يوثق من صلاحه، ويعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم وأردتم أن تبايعوه، فأنا أول من بايعة ودخل في طاعته.

أيها الناس، إنه لا طاعة لخلوق في معصية الخالق، ولا وفاء بنقض عهد الله تعالى، فمن أطاع الله فأطيعوه، فإذا عصى الله فهو أهل أن يعصى ويقتل؛ أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم، إنه واسع كريم.

قال فيلسوف: من نظر بعين الهوى حار، ومن حكم على الهوى جار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015