فقال: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وجعل كتابه تبياناً لكل شيء [وجعله قرآناً]، وجعل رسله مبينين لخلصه فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} وقال: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} وقال: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ}.
ذكر وجوه البيان
البيان على أربعة أوجه. فمنه بيان الأشياء بذواتها، وإن لم تبن بلغاتها؛ ومنه البيان الذي يحصل في القلب عند إعمال الفكر واللب، ومنه البيان باللسان [ومنه البيان بالكتاب] الذي يبلغ من بعد وغاب.
فالأشياء تتبين للناظر المتوسط، والعاقل المتبين بذواتها، وبعجيب تركيب الله فيها، وآثار صنعته في ظاهرها، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}، وقال: {وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، ولذلك قال بعضهم: قل للأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن أجابتك حواراً، وإلا أجابتك اعتباراً، فهي وإن كانت صامتة في أنفسها، فهي ناطقة بظواهر أحوالها، وعلى هذا النحو استنطقت العرب الربع، وخاطبت الطلل، ونطقت عنه بالجواب، على سبيل الاستعارة في الخطاب؛ وقال الله عز وجل في هذا المعنى: