باب
البيان الثالث وهو العبارة
فأما البيان بالقول، فهو العبارة، وقد قلنا: إنه يختلف باختلاف اللغات وإن كانت الأشياء المبين عنها غير مختلفة في ذواتها، وإن منه ظاهراً وإن، منه باطناً، وأن الظاهر منه غير محتاج إلى تفسيره، وإن الباطن هو المحتاج إلى التفسير، وهو الذي يتوصل إليه بالقياس والنظر والاستدلال والخبر، ونحن نذكر الآن ذلك بشرحه إن شاء الله.
فنقول: إن الذي يوصل إلى معرفته من باطن القول بالتمييز والقياس مثل قول الله -عز وجل-: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وهو لم يفوض إليهم أن يعملوا بما أحبوا، ولم يخلهم من الأمر والنهي، ومثله قول الله - عز وجل-: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} فلم يطلق لهم الكفر ولم يحببهم إياه، فهذا وإن كان ظاهره التفويض إليهم فإن باطنه التهديد والوعيد لهم، ويدل على ذلك قوله بعقب هذا: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}.
وأما ما يوصل إليه بالخبر فمثل الصلاة التي هي في اللغة: "الدعاء" والصيام الذي هو الإمساك، والكفر الذي هو ستر الشيء، فلولا ما أتانا