صحته، فكل نتيجة ظهرت عن مقدمات غير قطعية، ولا ظاهرة العقل بأنفسها، ولا مسلمة عند جميع الناس، بل تكون مسلمّة عند أكثرهم، ويظهر للعقل تغيرها فتغير الفحص عنها، والاستدلال عليها؛ وذلك كرأي كل قوم في مذاهبهم، وما يحتجون به لتصحيح اعتقاداتهم ونحلهم، وكل خبر أتى به الآحاد والجماعات التي لا يبلغ خبرهم أن يكون متواتراً، بل يجوز على مثلهم - في العادة - الاجتماع عن الكذب والاتفاق عليه، إذا كانوا عدولاً، ولم يخالف قولهم ما جرى به العرف والعادة، وذلك مثل روايات كل قوم فيما اعتقدوه، وأخبارهم عن أهل العدالة عندهم فيما اجتنبوه، وكل ظن قويت شواهده، وكان الاحتياط في الرأي والدين تغليبه، وكل هذه الأمور التي عددناها فإنما يأتي العلم بها على طريق التصديق لا على اليقين، والحجة على معنى الإقناع لا البرهان، وهي توجب العمل ولا توجب العلم، وليس على من شك فيها إثم ولا لوم، وذلك كالحكم بالشاهدين وتصديقهما في الحقوق، وإن كنا لا نعلم حقيقة قولهما، ولا تشهد بصحته عينهما، لأنهما قد يجوز أن يكونا كاذبين إلا أن علينا العمل بما شهدا به إذا كانا عدلين مرضيين، وكذلك ما أتانا من الأخبار في الأحداث التي تنقض الوضوء من الدم السائل، والقهقهة في قول العراقيين، والملامسة للذكر في قول أهل الحجاز، فإن ذلك كله يوجب العمل على من صحت عنده عدالة المخبر له، وليس يوجب العلم، ولا يكون من شك في ذلك وجحده آثماً.
وأما الظن فإنه إذا قويت شواهده، وعضده من الرأي ما يوجبه، فإنما يجب العمل عليه، ولا يجب العلم بحقيقته، والفرق بينه وبين ما نحن فيه يأتي من الإخبار عن الآحاد، ومن القياس المقنع أن ذلك مقبول