المعصومين ولا يعلم إلا من جهة الآحاد، وذلك مثل الفتيا في حوادث الدين التي ابتلى بها قوم دون آخرين، فسألوا عنها فخبروا بالواجب فيها، فنقلوا ذلك ولم يعرفه غيرهم، وليس يقع ذلك في أصول الدين التي يتساوى الناس فيها وفي فرضها، والناس محتاجون إلى الأخذ بهذه الأخبار في معاملاتهم ومتاجراتهم ومكاتباتهم، فإن ذلك أجمع مما لا يقوم البرهان على صدق المخبر به من عل ولا تواتر ولا خبر معصوم؛ وإنما يعمل في جميعه على خبر من حسن الظن به، ولم يعرف بفسق، ولم يظهر منه كذب.
وقد أبى قبول خبر الواحد قوم من أهل الملة مع إقرارهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله قد بلغ من نأى عنه بالواحد من أصحابه والاثنين، وبلغ النساء المخدرات اللواتي ليس من شأنهن البروز بما ألزمهم إياه من قبول أخبار أزواجهن، آبائهن وأبنائهن وكل هؤلاء آحاد، وقد استقصينا الكلام في هذا في كتاب "الحجة".
وقد استنبط علم باطن الأشياء بوجه ثالث، وهو الظن والتخمين فيما لا يوصل إليه بقياس، ولا يأتي فيه خبر، وفي الظن حق وباطل.
ولذلك قال الله - عز وجل -: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} وقال عز وجل في مواضع أخر. فأخرجه مخرج اليقين: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ} وقوله عز وجل في سورة الكهف: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}، وذلك يقين منهم وظن كل امرئ على مقدار