الميم قالوا: الحرف الأول من السادس، وإذا أرادوا الدال قالوا: الثاني من الأول، وكذلك ما يريدونه من الحروف. وكل أحد يقدر على أن يقول مثله ويصيره وسما بينه وبين من يكاتبه، إلا أني ذكرت هذا البيت لشهرته وكثرة استعمال أهل هذا الزمان له في التعمية، فهذه أبواب في استخراج المترجم والمعمى تدل وترشد، وفيها كفاية وغنى لمن أنعم النظر، وأعمل الفكر، ونثبت وتصبر، وقد تتفتح للإنسان إذا داوم على هذا الباب وشغل به طرق، وتسنح له سبل لم نذكرها، ولعلها لا نخطر لاه ببال تدله على ما يحتاج إليه، وتسهل ذلك عليه، إلا أن ذلك بعد لزوم ما نهجناه له، وأرشدناه إلى مسلكه إن شاء الله.
وقد انتهينا إلى الغرض فيما أردنا أن نتكلم فيه من أقسام البيان، وتوهمنا أن قد سلكنا من الإطالة له بعض ما لعله يظن بنا مخالفة لما وعدنا به في أول كتابنا من الإيجاز، ولم نأت في كل فصل إلا بأقل ما يمكن أن تؤتى به. وإذا نظرت في كل باب منه وجدتنا قد اختصرناه، وإنما طال الكتاب لكثرة فنون القول وأقسامه، واختلاف معاني البيان وأحكامه، لأنا لم نحب أن نحل بشيء منه حتى ندل عليه، ونشير إليه، ونحن نحمد الله - عز وجل - من قبل كل شيء وبعده، ونسأله أن يصلي على محمد وجميع رسله وأهل بيوتات المرسلين، وعلى جميع المؤمنين والمسلمين، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وسيئات أعمالنا وأن يصلح لنا سائر أمورنا وأحوالنا إنه سميع الدعاء فعال لما يشاء.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعليه نعتمد وبه نستعين.