لأنه قد يجوز أن يكون أحدهما قاعداً والآخر نائماً وكلاهما غير القيام، وكذلك إذا نفينا عن جسمين البياض، فلم نثبت لهما اجتماعاً في لون آخر من الحمرة أو الصفرة أو السواد، ولو شهد شاهدان عند حاكم بأن فلاناً لم يبع ضيعته من فلان لم يكن ذلك بموجب الا يكون فلان ملكها عليه، لأن للملك وجوهاً أخرى غير المبيع، ولذلك قالت القدماء: إن صفات الباري - عز وجل - إنما ينبغي أن تكون بالسلب، يعنون النفي، لأنه لا يحصل في النفي ما يقع به تشبيه.
واعلم أن كل مطلوب فإما أن يكون موجوداً أو غير موجود، وأن الموجود إما أن يكون موجوداً بالحس كالمبصرات والمذوقات والأجسام والأشكال وما أشبه ذلك، وإما أن يكون موجوداً بالعقل كوجودنا ما غاب عنا، وكوجودنا الجوهر والباري - عز وجل، وإنما وجودنا بالعقل من الأشياء الغائبة التي لا تحس في ذواتها فإنما تتلقط مبادئ المعرفة بها من الحس فيعرف الجوهر من الأعراض المحمولة فيه كما يعرف ذو اللون باللون، وذو العدد بالعدد، وكما يعرف البارئ - عز وجل - بموضوعاته وآثار فعله، وأن ما يظهر من ذلك عند التأمل له دليل على أن الأشياء لم تكن بالاتفاق، وأنها من قصد حكيم دبرها، وأحكم صنعه منها، ودلالة الشيء [على غيره] تكون بأحد أربعة أشياء.
إما بالمشاركة [وقد ذكرنا جملاً منها] وإما بالمضادة، فإن الضد يكسب