مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} ولما سألوا عن آبائهم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} فكل ما جرى مجرى المهم الذي ينتفع به، وتدعو الحاجة إلى استعماله فَحَسنُ الكلام فيه، وكل ما خالف ذلك، وجرى غير مجراها فيما لا يعني الإنسان ولا يجدي نفعاً فهو الفضول، الذي سمعت العلماء تذمه، ورأيت الحكماء تنهى عنه فقالوا: إنما يهلك الناس في فضول المال وفضول القول، وقال رجل لابنته وقد نقلها إلى زوجها، لا بنية، أمسكي عليك الفضلين: فضل القول، وفضل الشهوة، ومن ذلك يكون العطب، فكم ممن قتله كثرة فضوله، ولم ير أحد قط قتل لسكوته، ولا ضرب بالسوط على قلة كلامه، وإنما يفعل به تلك الأفاعيل ويورد تلك الموارد، بفضول قوله ولسانه، ولذلك قال الشاعر:
(وجُرحُ الِّلسان كجَرحِ اليَدِ)
وقال الآخر:
(يموتُ الفتى من عثرةٍ بلسانهِ ... وليس يموتُ المرءُ من عثرة الرجلِ)
وأما التام والناقص: فأما التام من الكلام ما اجتمعت فيه فضائل هذه الأقسام، فكان بليغاً صحيحاً، وجزلاً فصيحاً، وكان جداً صواباً، وحسناً حقاً، ونافعاً صدقاً، وعند ذوي العقول مقبولاً، ولم يكن تكلفاً ولا فضولاً، فإذا اجتمع ذلك فيه، ووضعه قائله موضعه، وأتى به في حينه، وأصاب به مقصده، فهو التام.