باب
البيان الأول وهو الاعتبار
قد قلنا: إن الأشياء تبين بذواتها لمن تبين، وتعبر بمعانيها لمن اعتبر، وإن بعض بيانها ظاهر، وبعضه باطن، ونحن نذكر ذلك ونشرحه فنقول: إن الظاهر من ذلك ما أدرك بالحس كتبيننا حرارة النار، وبرودة الثلج على الملاقاة لهما، أو ما أدرك بنظره العقل التي تتساوى العقول فيها مثل تبيننا أن الزوج خلاف الفرد، وأن الكل أكثر من الجزء والباطن ما غاب عن الحس، واختلفت العقول في إ ثباته، فالظاهر مستغن بظهوره عن الاستدلال عليه والاجتماع عليه لأنه لا خلاف له، والباطن هو المحتاج إلى أن يستدل عليه بضروب الاستدلال، ويعتبر بوجوه المقاييس والأشكال. والطريق إلى علم باطن الأشياء في ذواتها والوقوف على أحكامها ومعانيها من جهتين هما: القياس، والخبر، وحجتنا في القياس (أن الله - عز وجل - قال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} وذلك الأمثال التي جاءت في كتابه كمثل كذا وكذا في مواضع كثيرة، وذلك كله تشبيه وقياس. وأيضاً فقد قاس) في كتابه فقال لمن حرم وحلل وهو جاحد للرسل الذي يأتون بالتحليل والتحريم: {أَمْ كُنتُمْ