وعلى ما قلناه دبّرهم - سبحانه -، فقال في كتابه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} إلى آخر الآيات، فجعل علم آدم بما أظهره له وأخفاه عن ملائكته دليلاً على فضله ورياسته، وأنه المستحق من بينهم ما أفضى به إليه من خلافته، لأن من حكمه ألا يسوي بين العالم وغيره، ولو سوى بين الملائكة وبينه في علم ما علمه إياه لم يكن هناك تفاضل يوجب له المنزلة التي جعلها له، ولو جعل - تقدست أسماؤه - الأسماء كلها خفية لم يكن إلى علم شيء سبيل، ولتساوى الناس في الجهل [لكنه] بحكمته ومتقن صنعه جعل بعضها ظاهراً مستغنياً بظهره عن طلبه، وبعضها باطناً يحتاج إلى إظهاره والفحص عنه، وجعل الظاهر دليلاً على الباطن وسلماً إليه، ولم يقنع من عباده بعلم الظاهر من الأشياء التي يعرفوا معانيه، وباطن تأويله، وذم من اقتصر على علم ظاهر الأمور دون بواطنها، وفي العلم عنهم فقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} وشبه من حمل التوراة حمل حفظ لظاهرها من غير تدبر لمعانيها بالحمار، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} وقال في ذم قوم: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَاتِهِمْ تَاوِيلُهُ} وقال: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَاوِيلِ الأَحَادِيثِ} وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "نية المؤمن خير من عمله" والنية باطنة، والعمل ظاهر، ولذلك لم يقنع بعلم الباطن،