العلماء في النطق بأخصر قول وأشبه بكلام أمثاله - عليه السلام - فقال: السكوت عمالا لا يعنيك أمثل من الكلام فيه، والكلام فيما يعنيك خير من السكوت [عنه]، وحسب الأديب أن يستشعر هذا القول، فإنه يهجم به على محاسن الأمرين إن شاء الله، وقد يصمت الإنسان ويستعمل الكتمان لمخافة، أو رقبة أو بإسرار عداوة، أو بغضة، فيظهر في لحظاته وحركاته ما يبين عن ضميره، ويبدى مكنونه مثل ما يظهر الدمع عند فقد الأحبة، ومن تغير النظر عند معاينة أهل العداوة، ولذلك قال الشاعر:
(إذا لقيناهم نمت عيونهم ... والعين تظهر ما في القلب أو تصف)
وقال آخر:
(إذا ما حضرنا والرقيب بمجلس ... ترانا سكوتا والهوى يتكلم)
وهذا من بيان الأشياء بذواتها، وهو من الباب الأول
ثم إن الله - عز وجل - لما علم أن بيان الأشياء مقصور على الشاهد دون الغائب، وعلى الحاضر دون الغابر، وأراد تعالى أن يعم بالنفع في البيان جميع أصناف العباد، وسائر آفاق البلاد، وأن يساوي فيه بين الماضين من خلقه والآتين، والأولين والآخرين؛ ألهم عبادة تصوير كلامهم بحروف اصطلحوا عليها، فخلدوا بذلك علومهم لمن بعدهم، وعبروا به عن ألفاظهم، ونالوا ما بعد عنهم، وكملت بذلك نعمة الله عليهم