علم من قيل له {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ} بأنهم لم يجيئوا لذلك, حتى استجاز قائلوا ذلك أن يقولوه, قيل استجازوا أن يقولوا ذلك, لأنهم فيما ذكر ردوا البضاعة التي وجدوها في رحالهم, فقالوا: لو كنا سراقاً لم نرد عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا, وقيل: إنهم كانوا قد عرفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدا, ولا يتناولون ما ليس لهم, فقالوا ذلك حين قيل لهم: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (?).
وقوله تعالى: قَالُوا: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} أي: قال: أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السارق إن كنتم كاذبين في قولكم: {مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} قال إخوة يوسف: ثواب من وجد في رحله السرق, أن يسلم بسرقته إلى من سرق منه حتى يسترقه, كذلك نفعل بمن ظلم, فيفعل ماليس له فعله من أخذه مال غيره سرقا (?)، ومعنى الكلام: ثواب السرق الموجود في رحله كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله, ثم حذف استرقاق إذ كان معروفا معناه, ثم ابتدأ الكلام فقيل: فهو جزاؤه {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} , ويحتمل أن يكون معناه قالوا: ثواب السرق الذي يوجد السرق في رحله, فالسارق جزاؤه الاستعباد, وكانت هذه سنتهم في السارق: أن يستعبد (?).
وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه حسن التدبير من بلوغ المحاب في النفس والحميم والأخ القريب بالاجتماع على الحال الجميلة والمنزلة الجليلة, والبيان عما يوجبه التلطف في بلوغ المراد من إيقاع الأسباب التي تؤدي إليه ويبعث عليه مما يخفى على كثير من الناس موقعه ولا يتبن لهم وجهه: لأنه أنفذ له وأنجح للمطلوب منه, والبيان عما يوجبه حال بهت الإنسان بأخذ ما لم يأخذ من الاستفهام للتثبت في الأمر وترك الإسراع إلى مالا يجوز من القول, والبيان عما يوجبه الحرص على وجدان ما ضاع من تضمن الجعل لمن جاء به ليجدَّ في طلبه رغبة فيما ضمن عليه, والبيان عما يوجبه براءة القوم بما قذفوا به من الإحالة على ظاهر حالهم وما يعلم من سداد طريقتهم بالأحوال