عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ ضَرَبْتُ زَيْدًا جَازَ أَنْ تَكُونَ ضَرَبْتَ رَأْسَهُ أَوْ يَدَهُ أَوْ جَمِيعَ بَدَنِهِ فَإِذَا قُلْتَ " يَدَهُ " فَقَدْ رَفَعْتَ ذَلِكَ الْإِبْهَامَ فالبدل جار مجرى التأكيد الدلالة الأولى عليه أو المطابقة كما بَدَلِ الْكُلِّ أَوِ التَّضَمُّنِ كَمَا فِي بَدَلِ الْبَعْضِ أَوِ الِالْتِزَامِ كَمَا فِي بَدَلِ الِاشْتِمَالِ فَإِذَا قُلْتَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا رَأْسَهُ فَكَأَنَّكَ قَدْ ذَكَرْتَ الرَّأْسَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالتَّضَمُّنِ وَأُخْرَى بِالْمُطَابَقَةِ وَإِذَا قُلْتَ: شَرِبْتُ مَاءَ الْبَحْرِ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِكَ: شَرِبْتُ مَاءَ الْبَحْرِ أَنَّكَ لَمْ تَشْرَبْهُ كُلَّهُ فَجِئْتَ بِالْبَعْضِ تَأْكِيدًا
وَهَذَا معنى قول سيبويه: ولكنه بني الِاسْمَ تَأْكِيدًا وَجَرَى مَجْرَى الصِّفَةِ فِي الْإِيضَاحِ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: رَأَيْتُ أَبَا عَمْرٍو زَيْدًا ورأيت غلامك زيدا ومررت بِرَجُلٍ صَالِحٍ زَيْدٍ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْرِفُهُ بِأَنَّهُ غُلَامُكَ أَوْ بِأَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَمَّا ذَكَرْتَهُمَا أُثْبِتَ بِاجْتِمَاعِهِمَا الْمَقْصُودُ
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: وإنما يذكر الأولى لِتَجُوزَ التَّوْطِئَةُ وَلِيُفَادَ بِمَجْمُوعِهِمَا فَضْلُ تَأْكِيدٍ وَتَبْيِينٍ لَا يَكُونُ فِي الْإِفْرَادِ
وَقَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: لَيْسَ كُلُّ بَدَلٍ يُقْصَدُ بِهِ رَفَعُ الْإِشْكَالِ الَّذِي يَعْرِضُ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ بَلْ مِنَ الْبَدَلِ مَا يُرَادُ بِهِ التَّأْكِيدُ وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ غَنِيًّا عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ} أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرِ الصِّرَاطَ الثاني لم يشك أجد أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ صِرَاطُ اللَّهِ وَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّ مِنَ الْبَدَلِ مَا الْغَرَضُ مِنْهُ التَّأْكِيدُ وَلِهَذَا جَوَّزُوا بَدَلَ الْمُضْمَرِ من المضمر كلقيته أباه انتهى