وَنَظِيرُ هَذَا مِمَّا وَقَعَ فِيهِ اسْمٌ مَوْضِعَ غَيْرِهِ إِيجَازًا ثُمَّ جَرَى الْكَلَامُ مَجْرَاهُ فِي الْحَدِيثِ عَمَّنْ هُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بأسنا بياتا أو هم قائلون} فَعَادَ هَذَا الضَّمِيرُ وَالْخَبَرُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ أُقِيمَتِ الْقَرْيَةُ فِي الذِّكْرِ مَقَامَهُمْ فَجَرَى الْكَلَامُ مَجْرَاهُ مَعَ حُصُولِ الْإِيجَازِ فِي وَضْعِ الْقَرْيَةِ مَوْضِعَ أَهْلِهَا وَفُهِمَ الْمَعْنَى بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وهذه الغاية في البيان يقصد عن مداها الْإِنْسَانِ

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نفخة واحدة} قَالَ ابْنُ عَمْرُونَ: لَمَّا فُهِمَ مِنْهَا التَّأْكِيدُ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصِفَةٍ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ عَلَى بَعْضِ أَحْوَالِ الذَّاتِ وَلَيْسَ فِي {وَاحِدَةٌ} دَلَالَةً عَلَى نَفْخٍ فَدَلَّ عَلَى أنها ليست تأكيدا

وَفِي فَائِدَةِ {وَاحِدَةٌ} خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: التَّوْكِيدُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: "أَمْسِ الدَّابِرُ"

الثَّانِي: وَصْفُهَا لِيَصِحَّ أَنْ تَقُومَ مَقَامَ الْفَاعِلِ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَاعِلِ إِلَّا إِذَا وُصِفَ وَرُدَّ بِأَنَّ تَحْدِيدَهَا بِتَاءِ التَّأْنِيثِ مُصَحِّحٌ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْفَاعِلِ

الثَّالِثُ: أَنَّ الْوَحْدَةَ لَمْ تُعْلَمْ مِنْ نَفْخَةٍ إِلَّا ضِمْنًا وَتَبَعًا لِأَنَّ قَوْلَكَ نَفْخَةٌ يُفْهَمُ مِنْهُ أَمْرَانِ النَّفْخُ وَالْوَحْدَةُ فَلَيْسَتْ نَفْخَةٌ مَوْضُوعَةً لِلْوَحْدَةِ فَلِذَلِكَ صَحَّ وَصْفُهَا

الرَّابِعُ: وصفه النفخة بواحدة لأجل نفي توهم الكثرة كقوله تعالى: {إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فَالنِّعْمَةُ فِي اللَّفْظِ وَاحِدَةٌ وَقَدْ عَلَّقَ عَدَمَ الإحصاء بعدها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015