وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَارِدِ مِنْهَا فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهَا بَلْ تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَا تُؤَوِّلُ شَيْئًا مِنْهَا وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ
وَالثَّانِي: أَنَّ لَهَا تَأْوِيلًا وَلَكِنَّا نُمْسِكُ عَنْهُ مَعَ تَنْزِيهِ اعْتِقَادِنَا عَنِ الشَّبَهِ وَالتَّعْطِيلِ وَنَقُولُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ وَأَوَّلُوهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ
وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ وَالْأَخِيرَانِ مَنْقُولَانِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَنُقِلَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ الِاسْتِوَاءِ فَقَالَتْ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَكَذَلِكَ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَأَجَابَ بِمَا قَالَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهَا أَنَّ مَنْ عَادَ إِلَى هَذَا السُّؤَالِ عَنْهُ أَضْرِبُ عُنُقَهُ وَكَذَلِكَ سُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَقَالَ: أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوى} مَا أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السماء} وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَمَا قَالَ: وَإِنِّي لَأَرَاكَ ضَالًّا وَسُئِلَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ عَنِ الِاسْتِوَاءِ أَقَائِمٌ هُوَ أَمْ قَاعِدٌ فَقَالَ لَا يَمَلُّ القيام حتى يقعد ولا يمل القعود حتى يقوم وأنت إلى هَذَا السُّؤَالِ أَحْوَجُ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ: وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَضَى صَدْرُ الأمة وسادتها