تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} فَإِنَّ الْغَرَضَ تَشْبِيهُ حَالِ الْيَهُودِ فِي جَهْلِهَا بِمَا مَعَهَا مِنَ التَّوْرَاةِ وَآيَاتِهَا الْبَاهِرَةِ بِحَالِ الْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ أَسْفَارَ الْحِكْمَةِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ حَمْلِهَا إِلَّا الثِّقَلُ وَالتَّعَبُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ من السماء} الْمُرَادُ قِلَّةُ ثَبَاتِ زَهْرَةِ الدُّنْيَا كَقِلَّةِ بَقَاءِ الْخُضْرَةِ
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَا أَنْزَلَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ مَثَلَيْنِ مَثَّلَهُ بِالْمَاءِ وَمَثَّلَهُ بِالنَّارِ فَمَثَّلَهُ بِالْمَاءِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَبِالنَّارِ لِمَا فِيهِ مِنَ النُّورِ وَالْبَيَانِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ رُوحًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَسَمَّاهُ نُورًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِنَارَةِ فَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ قَدْ مَثَّلَهُ بِالْمَاءِ فَقَالَ: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الْآيَةَ فَضَرَبَ اللَّهُ الْمَاءَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ فَتَسِيلُ الْأَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا كَذَلِكَ مَا يُنْزِلُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَتَأْخُذُهُ الْقُلُوبُ كُلُّ قَلْبٍ بِقَدْرِهِ وَالسَّيْلُ يَحْتَمِلُ زَبَدًا رَابِيًا كَذَلِكَ مَا فِي الْقُلُوبِ يَحْتَمِلُ شُبَهَاتٍ وَشَهَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ متاع زبد مثله} وَهَذَا الْمَثَلُ بِالنَّارِ الَّتِي تُوقَدُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ فَيَخْتَلِطُ بِذَلِكَ زَبَدٌ أَيْضًا كَالزَّبَدِ الَّذِي يَعْلُو السَّيْلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ الناس فيمكث في الأرض} كَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ يَمْكُثُ فِي الْقُلُوبِ بِالتَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ
رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَمْثَالٍ ضَرَبَهَا اللَّهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ