لَكِنْ

لِلِاسْتِدْرَاكِ مُخَفَّفَةٌ وَمُثَقَّلَةٌ وَحَقِيقَتُهُ رَفْعُ مَفْهُومِ الكلام السابق تقول ما زيد شجاع ولكنه غير كريم فرفعت بـ "لكن" مَا أَفْهَمَهُ الْوَصْفُ بِالشَّجَاعَةِ مِنْ ثُبُوتِ الْكَرَمِ لَهُ لِكَوْنِهِمَا كَالْمُتَضَايِفَيْنِ فَإِنْ رَفَعْنَا مَا أَفَادَهُ مَنْطُوقُ الْكَلَامِ السَّابِقِ فَذَاكَ اسْتِثْنَاءٌ وَمَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ بِوَجْهٍ مَا فَلَا يَجُوزُ وُقُوعُهَا بَيْنَ مُتَوَافِقَيْنِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} .

لِكَوْنِهِ جَاءَ فِي سِيَاقِ لَوْ وَلَوْ تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ مُمْتَنِعَةٌ فِي الْمَعْنَى فَلَمَّا قِيلَ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} عُلِمَ إِثْبَاتُ مَا فُهِمَ إِثْبَاتُهُ أَوَّلًا وَهُوَ سَبَبُ التَّسْلِيمِ وَهُوَ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى وَلَكِنَّ اللَّهَ مَا أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لِيُسَلِّمَكُمْ فَحُذِفَ السَّبَبُ وَأُقِيمَ الْمُسَبِّبُ مَقَامَهُ.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْفَرْقُ بَيْنَ بَلْ وَلَكِنْ وَإِنِ اتَّفَقَا فِي أَنَّ الْحُكْمَ لِلثَّانِي أَنَّ لَكِنْ وَضْعُهَا عَلَى مُخَالَفَةِ مَا بَعْدَهُمَا لِمَا قَبْلَهُمَا وَلَا يَسْتَقِيمُ تَقْدِيرُهُ إِلَّا مُثْبَتًا لِامْتِنَاعِ تَقْدِيرِ النَّفْيِ فِي الْمُفْرَدِ وَإِذَا كَانَ مُثْبَتًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ نَفْيًا كَقَوْلِكَ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو وَلَوْ قُلْتَ جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا بَلْ فَلِلْإِضْرَابِ مُطْلَقًا مُوجَبًا كَانَ الْأَوَّلُ أَوْ مَنْفِيًّا.

وَإِذَا ثَقُلَتْ فَهِيَ مِنْ أَخَوَاتِ إِنَّ تَنْصِبُ الِاسْمَ وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ وَلَا يَلِيهَا الْفِعْلُ وَأَمَّا وُقُوعُ الْمَرْفُوعِ بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} وَهُوَ ضَمِيرُ الرَّفْعِ فَجَوَابُهُ أَنَّهَا هُنَا لَيْسَتِ الْمُثَقَّلَةُ بَلْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ وَالتَّقْدِيرُ لَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015