وَأَقُولُ: مَا جَعَلُوهُ لِلْعَاقِبَةِ هُوَ رَاجِعٌ لِلتَّعْلِيلِ فَإِنَّ الْتِقَاطَهُمْ أَفْضَى إِلَى عَدَاوَتِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ صِدْقَ الْإِخْبَارِ بِكَوْنِ الِالْتِقَاطِ لِلْعَدَاوَةِ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الشَّيْءِ يَكُونُ عِلَّةً وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ نَصْبُ الْعِلَّةِ صَادِرًا عَمَّنْ نُسِبَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ لَفْظًا بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى مَنْ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إِلَيْهِ خَلْقًا كَمَا تَقُولُ جَاءَ الْغَيْثُ لِإِخْرَاجِ الْأَزْهَارِ وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ لِإِنْضَاجِ الثِّمَارِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يضاف إلى الشمس والغيث.

كَذَلِكَ الْتِقَاطُ آلِ فِرْعَوْنَ مُوسَى فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ لِحِكْمَتِهِ وَجَعَلَهُ عِلَّةً لِعَدَاوَتِهِ لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ بِوَاسِطَةِ حِفْظِهِ وَصِيَانَتِهِ كَمَا فِي مَجِيءِ الْغَيْثِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِخْرَاجِ الْأَزْهَارِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْضًا التَّحْقِيقُ أَنَّهَا لَامُ الْعِلَّةِ وَأَنَّ التَّعْلِيلَ بِهَا وَارِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَاعِيهِمْ إِلَى الِالْتِقَاطِ كَوْنَهُ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا بَلِ الْمَحَبَّةُ وَالتَّبَنِّي غَيْرَ أن ذلك لما أن نَتِيجَةَ الْتِقَاطِهِمْ لَهُ وَثَمَرَتَهُ شُبِّهَ بِالدَّاعِي الَّذِي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء فَاللَّامُ مُسْتَعَارَةٌ لِمَا يُشْبِهُ التَّعْلِيلَ.

وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ الْمُبْتَدَأِ فِي النَّحْوِ فَأَمَّا قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون} فَهِيَ لَامُ كَيْ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَلَامُ الصَّيْرُورَةِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَالتَّقْدِيرُ فَصَارَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِكَيْ يَكُونَ عَدُوًّا انْتَهَى

وَجَوَّزَ ابْنُ الدَّهَّانِ فِي الْآيَةِ وَجْهًا غَرِيبًا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ فَالْتَقَطَ آلُ فِرْعَوْنَ وَ {عَدُوًّا وَحَزَنًا} حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي: {لِيَكُونَ لَهُمْ} أَيْ لِيَتَمَلَّكُوهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015